القابضات على الجمر
2 مشترك
لكـــل العشـــــاق والاصدقـــــــاء :: الـــــــركـــــــــن الاســـــــلامــــــــــــى :: مواضيع اسلاميه عامه
صفحة 1 من اصل 1
القابضات على الجمر
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
هذه رسالة .. إلى القابضات على الجمر اللاتي قال فيهن النبي صلى الله عليه وسلم : ( يأتي على الناس زمان يكون فيه القابض على دينه كالقابض على الجمر )
.. رسالة .. إلى المرأة الصالحة التقية .. التي قدمت محبة الله وأوامره .. على تقليد فلانة أو فلانة .. فأصبحت غريبة بين النساء بسبب صلاحها وفسادهن .. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لها فيما رواه ابن ماجة والدارمي : " إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء " . قيل : ومن الغرباء يا رسول الله ؟ قال : " الذين يصلحون إذا فسد الناس " ..
هذه كلمات .. إلى القابضات على الجمر .. لأذكرهن بأخبار من تقدمهن إلى طريق الجنة .. ممن تركن لذة الحياة .. وحملن همَّ الدين .. حتى ضاعف الله لهن الحسنات .. وكفر السيئات .. ورفع الدرجات .. حتى سبقن كثيراً من الرجال
..أول تلك القابضات على الجمر ..
هي تلك المرأة الصالحة التي كانت تعيش هي وزوجها .. في ظل ملك فرعون .. زوجها مقرب من فرعون .. وهي خادمة ومربية لبنات فرعون .. فمن الله عليهما بالإيمان .. فلم يلبث زوجها أن علم فرعون بإيمانه فقتله ..فلم تزل الزوجة تعمل في بيت فرعون تمشط بنات فرعون .. وتنفق على أولادها الخمسة .. تطعمهم كما تطعم الطير أفراخها ..فبينما هي تمشط ابنة فرعون يوماً .. إذ وقع المشط من يدها ..فقالت : بسم الله .. فقالت ابنة فرعون : الله .. أبي ؟فصاحت الماشطة بابنة فرعون : كلا .. بل الله .. ربي .. وربُّك .. وربُّ أبيك ..فتعجبت البنت أن يُعبد غير أبيها ..ثم أخبرت أباها بذلك .. فعجب أن يوجد في قصره من يعبد غيره ..فدعا بها .. وقال لها : من ربك ؟ قالت : ربي وربك الله ..فأمرها بالرجوع عن دينها .. وحبسها .. وضربها .. فلم ترجع عن دينها .. فأمر فرعون بقدر من نحاس فملئت بالزيت .. ثم أحمي .. حتى غلا ..وأوقفها أمام القدر .. فلما رأت العذاب .. أيقنت أنما هي نفس واحدة تخرج وتلقى الله تعالى .. فعلم فرعون أن أحب الناس أولادها الخمسة .. الأيتام الذين تكدح لهم ..وتطعمهم .. فأراد أن يزيد في عذابها فأحضر الأطفال الخمسة .. تدور أعينهم .. ولايدرون إلى أين يساقون .. فلما رأوا أمهم تعلقوا بها يبكون .. فانكبت عليهم تقبلهم وتشمهم وتبكي .. وأخذت أصغرهم وضمته إلى صدرها .. وألقمته ثديها ..فلما رأى فرعون هذا المنظر ..أمر بأكبرهم .. فجره الجنود ودفعوه إلى الزيت المغلي .. والغلام يصيح بأمه ويستغيث .. ويسترحم الجنود .. ويتوسل إلى فرعون .. ويحاول الفكاك والهرب ..وينادي إخوته الصغار .. ويضرب الجنود بيديه الصغيرتين .. وهم يصفعونه ويدفعونه ..وأمه تنظر إليه .. وتودّعه .. فما هي إلا لحظات .. حتى ألقي الصغير في الزيت .. والأم تبكي وتنظر .. وإخوته يغطون أعينهم بأيديهم الصغيرة .. حتى إذا ذاب لحمه من على جسمه النحيل .. وطفحت عظامه بيضاء فوق الزيت .. نظر إليها فرعون وأمرها بالكفر بالله .. فأبت عليه ذلك ..فغضب فرعون .. وأمر بولدها الثاني .. فسحب من عند أمه وهو يبكي ويستغيث .. فما هي إلا لحظات حتى ألقي في الزيت .. وهي تنظر إليه .. حتى طفحت عظامه بيضاء واختلطت بعظام أخيه .. والأم ثابتة على دينها .. موقنة بلقاء ربها ..ثم أمر فرعون بالولد الثالث فسحب وقرب إلى القدر المغلي ثم حمل وغيب في الزيت ..وفعل به ما فعل بأخويه .. والأم ثابتة على دينها .. فأمر فرعون أن يطرح الرابع في الزيت ..فأقبل الجنود إليه .. وكان صغيراً قد تعلق بثوب أمه .. فلما جذبه الجنود .. بكى وانطرح على قدمي أمه .. ودموعه تجري على رجليها .. وهي تحاول أن تحمله مع أخيه ..تحاول أن تودعه وتقبله وتشمه قبل أن يفارقها .. فحالوا بينه وبينها .. وحملوه من يديه الصغيرتين .. وهو يبكي ويستغيث .. ويتوسل بكلمات غير مفهومة .. وهم لا يرحمونه ..وما هي إلا لحظات حتى غرق في الزيت المغلي .. وغاب الجسد .. وانقطع الصوت .. وشمت الأم رائحة اللحم .. وعلت عظامه الصغيرة بيضاء فوق الزيت يفور بها ..تنظر الأم إلى عظامه .. وقد رحل عنها إلى دار أخرى ..وهي تبكي .. وتتقطع لفراقه .. طالما ضمته إلى صدرها .. وأرضعته من ثديها .. طالماسهرت لسهره .. وبكت لبكائه ..كم ليلة بات في حجرها .. ولعب بشعرها .. كم قربت منه ألعابه .. وألبسته ثيابه ..فجاهدت نفسها أن تتجلد وتتماسك ..فالتفتوا إليها .. وتدافعوا عليها ..وانتزعوا الخامس الرضيع من بين يديها .. وكان قد التقم ثديها .. فلما انتزع منها .. صرخ الصغير .. وبكت المسكينة .. فلما رأى الله تعالى ذلها وانكسارها وفجيعتها بولدها .. أنطق الصبي في مهده وقال لها : يا أماه اصبري فإنك على الحق ..ثم انقطع صوته عنها .. وغيِّب في القدر مع إخوته ..ألقي في الزيت .. وفي فمه بقايا من حليبها ..وفي يده شعرة من شعرها .. وعلى أثوابه بقية من دمعها ..وذهب الأولاد الخمسة .. وهاهي عظامهم يلوح بها القدر ..ولحمهم يفور به الزيت .. تنظر المسكينة .. إلى هذه العظام الصغيرة ..عظام من ؟ إنهم أولادها .. الذين طالما ملئوا عليها البيت ضحكاً وسروراً .. إنهم فلذات كبدها .. وعصارة قلبها .. الذين لما فارقوها .. كأن قلبها أخرج من صدرها ..طالما ركضوا إليها ..وارتموا بين يديها ..وضمتهم إلى صدرها .. وألبستهم ثيابهم بيدها .. ومسحت دموعهم بأصابعها .. ثم هاهم ينتزعون من بين يديها .. ويقتلون أمام ناظريها .. وتركوها وحيدة وتولوا عنها .. وعن قريب ستكون معهم ..كانت تستطيع أن تحول بينهم وبين هذا العذاب .. بكلمة كفر تسمعها لفرعون .. لكنهاعلمت أن ما عند الله خير وأبقى ..ثم .. لما لم يبق إلا هي .. أقبلوا إليها كالكلاب الضارية .. ودفعوها إلى القدر ..فلما حملوها ليقذفوها في الزيت .. نظرت إلى عظام أولادها .. فتذكرت اجتماعها معهم في الحياة .. فالتفتت إلى فرعون وقالت : لي إليك حاجة .. فصاح بها وقال : ما حاجتك ؟ فقالت : أن تجمع عظامي وعظام أولادي فتدفنها في قبر واحد .. ثم أغمضت عينيها ..وألقيت في القدر .. واحترق جسدها .. وطفت عظامها ..فلله در هذه الماشطة ما أعظم ثباتها .. وأكثر ثوابها ..
ولقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء شيئاً من نعيمها .. فحدّث به أصحابه وقال لهم فيما رواه البيهقي : ( لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة .. فقلت: ما هذه الرائحة ؟ فقيل لي : هذه ماشطة بنت فرعون وأولادُها .. ) ..
الله أكبر تعبت قليلاً .. لكنها استراحت كثيراً .. فما أطيب عيش المؤمنة في الجنة .. عندما تتقلبُ في أنهارها .. وتشربُ من عسلها .. بل وتنظر إلى وجه ربها .. ما أطيب عيشك أنت .. وربُك يسألك في الجنة : يا فلانة .. هل رضيت .. هل رضيت بما أنت فيه من النعيم .. فتقولين : وما لي لا أرضى وقد أعطيتني ما أرجو وأمنتني مما أخاف .. فيقول : أعطيك أعظم من ذلك .. ثم يكشف الحجاب عن وجهه فتنظرين إليه .. فلا تنصرفين إلى شيء من النعيم ما دمت تنظرين إليه .. { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين * وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم * يشهده المقربون * إن الأبرار لفي نعيم * على الأرائك ينظرون * تعرف في وجوههم نضرة النعيم * يسقون من رحيق مختوم * ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون * ومزاجه من تسنيم * عينا يشرب بها المقربون } ..
أما ثانية القابضات على الجمر ..
فقد كانت ملكة على عرشها ..على أسرةٍ ممهدة ، وفرشٍ منضدة ..بين خدم يخدمون .. وأهلٍ يكرمون ..لكنها كانت مؤمنة تكتم إيمانها ..إنها آسية .. امرأة فرعون .. كانت في نعيم مقيم ..فلما رأت قوافل الشهداء .. تتسابق إلى السماء ..اشتاقت لمجاورة ربّها .. وكرهت مجاورة فرعون ..فلما قتل فرعون الماشطة المؤمنة .. دخل على زوجه آسيةَ يستعرض أمامها قواه ..فصاحت به آسية : الويل لك ! ما أجرأك على الله .. ثم أعلنت إيمانها بالله ..فغضب فرعون .. وأقسم لتذوقَن الموت .. أو لتكفرَن بالله .. ثم أمر فرعون بها فمدت بين يديه على لوحٍ .. وربطت يداها وقدماها في أوتاد من حديد .. وأمر بضربها فضربت ..حتى بدأت الدماء تسيل من جسدها .. واللحم ينسلخ عن عظامها ..فلما اشتدّ عليها العذاب .. وعاينت الموت ..رفعت بصرها إلى السماء .. وقالت : { رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين } .. وارتفعت دعوتها إلى السماء ..
قال ابن كثير : فكشف الله لها عن بيتها في الجنة ..فتبسمت .. ثم ماتت ..نعم .. ماتت الملكة ..التي كانت بين طيب وبخور .. وفرح وسرور .. نعم تركت فساتينها .. وعطورها .. وخدمها .. وصديقاتها ..واختارت الموت .. لكنها اليوم .. تتقلب في النعيم كيفما شاءت ..ولماذا لا يكون جزاؤها كذلك .. وهي .. طالما ..وقفت تناجي ربها والليل مسدول البراقع تصغي لنجواها السماء وقد جرت منها المدامع تدعو فتحتشد الملائك والدجى هيمان خاشع والعابدات الزاهدات جفت مراقدُها المضاجع وتخــرّ للــرحمن ساجدة مطهرة النوازع ..نفعها صبرها على الطاعات .. ومقاومتها للشهوات ..
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا * أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقاً } ..
عن كتاب "القابضات على الجمر"للدكتورمحمد بن عبدالرحمن العريفي
لاالاه الاأنت سبحانك أني كنت من الظالمين اللهم اغفر لي و لوالدي و للمسلمين و المسلمات و المؤمنين والمؤمنات .
اللهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
هذه رسالة .. إلى القابضات على الجمر اللاتي قال فيهن النبي صلى الله عليه وسلم : ( يأتي على الناس زمان يكون فيه القابض على دينه كالقابض على الجمر )
.. رسالة .. إلى المرأة الصالحة التقية .. التي قدمت محبة الله وأوامره .. على تقليد فلانة أو فلانة .. فأصبحت غريبة بين النساء بسبب صلاحها وفسادهن .. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لها فيما رواه ابن ماجة والدارمي : " إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء " . قيل : ومن الغرباء يا رسول الله ؟ قال : " الذين يصلحون إذا فسد الناس " ..
هذه كلمات .. إلى القابضات على الجمر .. لأذكرهن بأخبار من تقدمهن إلى طريق الجنة .. ممن تركن لذة الحياة .. وحملن همَّ الدين .. حتى ضاعف الله لهن الحسنات .. وكفر السيئات .. ورفع الدرجات .. حتى سبقن كثيراً من الرجال
..أول تلك القابضات على الجمر ..
هي تلك المرأة الصالحة التي كانت تعيش هي وزوجها .. في ظل ملك فرعون .. زوجها مقرب من فرعون .. وهي خادمة ومربية لبنات فرعون .. فمن الله عليهما بالإيمان .. فلم يلبث زوجها أن علم فرعون بإيمانه فقتله ..فلم تزل الزوجة تعمل في بيت فرعون تمشط بنات فرعون .. وتنفق على أولادها الخمسة .. تطعمهم كما تطعم الطير أفراخها ..فبينما هي تمشط ابنة فرعون يوماً .. إذ وقع المشط من يدها ..فقالت : بسم الله .. فقالت ابنة فرعون : الله .. أبي ؟فصاحت الماشطة بابنة فرعون : كلا .. بل الله .. ربي .. وربُّك .. وربُّ أبيك ..فتعجبت البنت أن يُعبد غير أبيها ..ثم أخبرت أباها بذلك .. فعجب أن يوجد في قصره من يعبد غيره ..فدعا بها .. وقال لها : من ربك ؟ قالت : ربي وربك الله ..فأمرها بالرجوع عن دينها .. وحبسها .. وضربها .. فلم ترجع عن دينها .. فأمر فرعون بقدر من نحاس فملئت بالزيت .. ثم أحمي .. حتى غلا ..وأوقفها أمام القدر .. فلما رأت العذاب .. أيقنت أنما هي نفس واحدة تخرج وتلقى الله تعالى .. فعلم فرعون أن أحب الناس أولادها الخمسة .. الأيتام الذين تكدح لهم ..وتطعمهم .. فأراد أن يزيد في عذابها فأحضر الأطفال الخمسة .. تدور أعينهم .. ولايدرون إلى أين يساقون .. فلما رأوا أمهم تعلقوا بها يبكون .. فانكبت عليهم تقبلهم وتشمهم وتبكي .. وأخذت أصغرهم وضمته إلى صدرها .. وألقمته ثديها ..فلما رأى فرعون هذا المنظر ..أمر بأكبرهم .. فجره الجنود ودفعوه إلى الزيت المغلي .. والغلام يصيح بأمه ويستغيث .. ويسترحم الجنود .. ويتوسل إلى فرعون .. ويحاول الفكاك والهرب ..وينادي إخوته الصغار .. ويضرب الجنود بيديه الصغيرتين .. وهم يصفعونه ويدفعونه ..وأمه تنظر إليه .. وتودّعه .. فما هي إلا لحظات .. حتى ألقي الصغير في الزيت .. والأم تبكي وتنظر .. وإخوته يغطون أعينهم بأيديهم الصغيرة .. حتى إذا ذاب لحمه من على جسمه النحيل .. وطفحت عظامه بيضاء فوق الزيت .. نظر إليها فرعون وأمرها بالكفر بالله .. فأبت عليه ذلك ..فغضب فرعون .. وأمر بولدها الثاني .. فسحب من عند أمه وهو يبكي ويستغيث .. فما هي إلا لحظات حتى ألقي في الزيت .. وهي تنظر إليه .. حتى طفحت عظامه بيضاء واختلطت بعظام أخيه .. والأم ثابتة على دينها .. موقنة بلقاء ربها ..ثم أمر فرعون بالولد الثالث فسحب وقرب إلى القدر المغلي ثم حمل وغيب في الزيت ..وفعل به ما فعل بأخويه .. والأم ثابتة على دينها .. فأمر فرعون أن يطرح الرابع في الزيت ..فأقبل الجنود إليه .. وكان صغيراً قد تعلق بثوب أمه .. فلما جذبه الجنود .. بكى وانطرح على قدمي أمه .. ودموعه تجري على رجليها .. وهي تحاول أن تحمله مع أخيه ..تحاول أن تودعه وتقبله وتشمه قبل أن يفارقها .. فحالوا بينه وبينها .. وحملوه من يديه الصغيرتين .. وهو يبكي ويستغيث .. ويتوسل بكلمات غير مفهومة .. وهم لا يرحمونه ..وما هي إلا لحظات حتى غرق في الزيت المغلي .. وغاب الجسد .. وانقطع الصوت .. وشمت الأم رائحة اللحم .. وعلت عظامه الصغيرة بيضاء فوق الزيت يفور بها ..تنظر الأم إلى عظامه .. وقد رحل عنها إلى دار أخرى ..وهي تبكي .. وتتقطع لفراقه .. طالما ضمته إلى صدرها .. وأرضعته من ثديها .. طالماسهرت لسهره .. وبكت لبكائه ..كم ليلة بات في حجرها .. ولعب بشعرها .. كم قربت منه ألعابه .. وألبسته ثيابه ..فجاهدت نفسها أن تتجلد وتتماسك ..فالتفتوا إليها .. وتدافعوا عليها ..وانتزعوا الخامس الرضيع من بين يديها .. وكان قد التقم ثديها .. فلما انتزع منها .. صرخ الصغير .. وبكت المسكينة .. فلما رأى الله تعالى ذلها وانكسارها وفجيعتها بولدها .. أنطق الصبي في مهده وقال لها : يا أماه اصبري فإنك على الحق ..ثم انقطع صوته عنها .. وغيِّب في القدر مع إخوته ..ألقي في الزيت .. وفي فمه بقايا من حليبها ..وفي يده شعرة من شعرها .. وعلى أثوابه بقية من دمعها ..وذهب الأولاد الخمسة .. وهاهي عظامهم يلوح بها القدر ..ولحمهم يفور به الزيت .. تنظر المسكينة .. إلى هذه العظام الصغيرة ..عظام من ؟ إنهم أولادها .. الذين طالما ملئوا عليها البيت ضحكاً وسروراً .. إنهم فلذات كبدها .. وعصارة قلبها .. الذين لما فارقوها .. كأن قلبها أخرج من صدرها ..طالما ركضوا إليها ..وارتموا بين يديها ..وضمتهم إلى صدرها .. وألبستهم ثيابهم بيدها .. ومسحت دموعهم بأصابعها .. ثم هاهم ينتزعون من بين يديها .. ويقتلون أمام ناظريها .. وتركوها وحيدة وتولوا عنها .. وعن قريب ستكون معهم ..كانت تستطيع أن تحول بينهم وبين هذا العذاب .. بكلمة كفر تسمعها لفرعون .. لكنهاعلمت أن ما عند الله خير وأبقى ..ثم .. لما لم يبق إلا هي .. أقبلوا إليها كالكلاب الضارية .. ودفعوها إلى القدر ..فلما حملوها ليقذفوها في الزيت .. نظرت إلى عظام أولادها .. فتذكرت اجتماعها معهم في الحياة .. فالتفتت إلى فرعون وقالت : لي إليك حاجة .. فصاح بها وقال : ما حاجتك ؟ فقالت : أن تجمع عظامي وعظام أولادي فتدفنها في قبر واحد .. ثم أغمضت عينيها ..وألقيت في القدر .. واحترق جسدها .. وطفت عظامها ..فلله در هذه الماشطة ما أعظم ثباتها .. وأكثر ثوابها ..
ولقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء شيئاً من نعيمها .. فحدّث به أصحابه وقال لهم فيما رواه البيهقي : ( لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة .. فقلت: ما هذه الرائحة ؟ فقيل لي : هذه ماشطة بنت فرعون وأولادُها .. ) ..
الله أكبر تعبت قليلاً .. لكنها استراحت كثيراً .. فما أطيب عيش المؤمنة في الجنة .. عندما تتقلبُ في أنهارها .. وتشربُ من عسلها .. بل وتنظر إلى وجه ربها .. ما أطيب عيشك أنت .. وربُك يسألك في الجنة : يا فلانة .. هل رضيت .. هل رضيت بما أنت فيه من النعيم .. فتقولين : وما لي لا أرضى وقد أعطيتني ما أرجو وأمنتني مما أخاف .. فيقول : أعطيك أعظم من ذلك .. ثم يكشف الحجاب عن وجهه فتنظرين إليه .. فلا تنصرفين إلى شيء من النعيم ما دمت تنظرين إليه .. { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين * وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم * يشهده المقربون * إن الأبرار لفي نعيم * على الأرائك ينظرون * تعرف في وجوههم نضرة النعيم * يسقون من رحيق مختوم * ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون * ومزاجه من تسنيم * عينا يشرب بها المقربون } ..
أما ثانية القابضات على الجمر ..
فقد كانت ملكة على عرشها ..على أسرةٍ ممهدة ، وفرشٍ منضدة ..بين خدم يخدمون .. وأهلٍ يكرمون ..لكنها كانت مؤمنة تكتم إيمانها ..إنها آسية .. امرأة فرعون .. كانت في نعيم مقيم ..فلما رأت قوافل الشهداء .. تتسابق إلى السماء ..اشتاقت لمجاورة ربّها .. وكرهت مجاورة فرعون ..فلما قتل فرعون الماشطة المؤمنة .. دخل على زوجه آسيةَ يستعرض أمامها قواه ..فصاحت به آسية : الويل لك ! ما أجرأك على الله .. ثم أعلنت إيمانها بالله ..فغضب فرعون .. وأقسم لتذوقَن الموت .. أو لتكفرَن بالله .. ثم أمر فرعون بها فمدت بين يديه على لوحٍ .. وربطت يداها وقدماها في أوتاد من حديد .. وأمر بضربها فضربت ..حتى بدأت الدماء تسيل من جسدها .. واللحم ينسلخ عن عظامها ..فلما اشتدّ عليها العذاب .. وعاينت الموت ..رفعت بصرها إلى السماء .. وقالت : { رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين } .. وارتفعت دعوتها إلى السماء ..
قال ابن كثير : فكشف الله لها عن بيتها في الجنة ..فتبسمت .. ثم ماتت ..نعم .. ماتت الملكة ..التي كانت بين طيب وبخور .. وفرح وسرور .. نعم تركت فساتينها .. وعطورها .. وخدمها .. وصديقاتها ..واختارت الموت .. لكنها اليوم .. تتقلب في النعيم كيفما شاءت ..ولماذا لا يكون جزاؤها كذلك .. وهي .. طالما ..وقفت تناجي ربها والليل مسدول البراقع تصغي لنجواها السماء وقد جرت منها المدامع تدعو فتحتشد الملائك والدجى هيمان خاشع والعابدات الزاهدات جفت مراقدُها المضاجع وتخــرّ للــرحمن ساجدة مطهرة النوازع ..نفعها صبرها على الطاعات .. ومقاومتها للشهوات ..
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا * أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقاً } ..
عن كتاب "القابضات على الجمر"للدكتورمحمد بن عبدالرحمن العريفي
لاالاه الاأنت سبحانك أني كنت من الظالمين اللهم اغفر لي و لوالدي و للمسلمين و المسلمات و المؤمنين والمؤمنات .
اللهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
اخيكم
( )
امير الع- زائر
لكـــل العشـــــاق والاصدقـــــــاء :: الـــــــركـــــــــن الاســـــــلامــــــــــــى :: مواضيع اسلاميه عامه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى